Rechercher
Rechercher

En arabe - زاوية واسعة

وراء كواليس مسلسل التعيينات القضائية

استمر النزاع بين وزيرة العدل ومجلس القضاء الأعلى أشهراً وخيب آمال كل من آمن ببداية ثورة داخل القضاء اللبناني. وتتمثل بواطن الأمر في صراع على السلطة يكمن تفسيره الرئيسي في التداخل بين السياسة والقضاء.


وراء كواليس مسلسل التعيينات القضائية

الرسم البياني لإيفان دبس


كانت الفرصة سانحة في بداية عام 2020. فقد بدت الأطراف الفاعلة المعينة مثالية، والسياق مناسباً، والتفاؤل متوفراً. لقد أعطى القضاء اللبناني الانطباع بأنه أصبح مستعداً أخيراً للقيام بثورته التي يطالب بها بعض أركانه وكذلك الشارع. فمع تعيين سهيل عبود الشهير بنزاهته رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، وتعيين ماري كلود نجم المحامية الحاصلة على شهادات كثيرة والآتية من أوساط إصلاحية وزيرة للعدل، وانتخاب المستقل ملحم خلف نقيباً للمحامين في بيروت، بدت كل إشارات السير أمام الإصلاح مضاءة بالأخضر. وكان الرهان كبيراً، وتلخص في عدم تمكين السياسيين مجدداً من التدخل كلما رغبوا في المسائل القضائية، في بلد لطالما لم يكن فيه الفصل بين السلطات سوى شعار. وكان موعد المناقلات القضائية التي تتم تقليدياً وفق المحاصصة السياسية، يقترب ومن المتوقع أن يحصل في استثناء لهذه القاعدة. وحذّرت أماني سلامة، رئيسة نادي القضاة، وهو رابطة للقضاة الإصلاحيين، من أن المناقلات "ستكون الاختبار الحقيقي". وقال قاضٍ بلغ منتصف مسيرته المهنية إن "قلة لا تستطيع وحدها تغيير النظام"، مدركاً أن الطريق إلى القضاء المستقل سيكون محفوفاً بالعثرات.

وبعد ستة أشهر، خاب الأمل كما كان متوقعاً. وقال نزار صاغية، المدير التنفيذي للمفكرة القانونية، وهي منظمة غير حكومية تناضل منذ سنوات من أجل الإصلاح القضائي: "لقد ضاع الزخم". واستمر مسلسل المناقلات القضائية لعدة أشهر، وتأخر على وجه الخصوص بسبب أزمة فيروس كورونا، ويبدو أنه لم ينته بعد. فقد رفض رئيس الجمهورية ميشال عون الثلاثاء في 9 حزيران التوقيع على المرسوم الخاص بالمناقلات، محذراً من قيام "جمهورية القضاة". وعادت المسألة إلى المربع الأول منذئذ.

لكن كيف بلغت المسألة هذه المرحلة؟ باختصار اقترح مجلس القضاء الأعلى، كما ينص القانون، قائمة بالأسماء. وكما يسمح القانون، أعادت الوزيرة القائمة إلى المجلس مع ملاحظاتها، معتبرة أن المناقلات المقترحة لم تلبِّ المعايير الموضوعية للاختصاص والنزاهة والأقدمية، وكذلك المادة 95 من الدستور التي تحدد إطار التمثيل الطائفي.

وأعقبت ذلك حرب بين الوزارة والمجلس، ما عزز التنافر العام.

وخلال عدة أسابيع، اتهم المجلس الوزيرة بالحفاظ على الممارسات السيئة، أي التدخل السياسي من جهة وترقية بعض القضاة لأسباب خاطئة من جهة أخرى. لكن من هو المسؤول في الواقع عن هذا الفشل الذريع؟ من سعى إلى الدفاع عن الممارسات القديمة في وقت جعل فيه اللبنانيون استقلال القضاء أحد مطالبهم ذات الأولوية؟

"النائب العام ترك بصماته على هذه التعيينات إلى حد كبير"

بما أن رئيس مجلس القضاء الأعلى معروف باستقامته وتعيين الوزيرة جاء بعدما صادق عليه التيار الوطني الحر – وهو الحزب السياسي الوحيد الذي أعرب عن استيائه من حزمة التعيينات التي اقترحها المجلس – سرعان ما جرى العثور على الجاني. وعلى الفور تدخل المجتمع المدني في هذا الكباش للتنديد بمزيد من التدخل السياسي في القضاء، فوزراء العدل لطالما تدخلوا تقليدياً في هذه التعيينات. وأصبحت نجم، التي تعهدت "باحترام استقلال القضاء"، كبش الفداء المثالي. ويقول أحد المقربين من الوزيرة إنها "سرعان ما خسرت المعركة الإعلامية".

وتظهر إعادة بناء بواطن القصة من مصادر متعددة على علم بالمسألة واقعاً أكثر تعقيداً. وتعطي كل المصادر تقريباً الرواية نفسها: لقد برزت العراقيل والمحسوبيات والتدخل السياسي في البداية، داخل مجلس القضاء الأعلى. ولم يرغب عبود، الذي اتصلت به "لوريان لوجور" لتقديم روايته للأحداث، في الرد.

ولا شبهة شخصية في مسؤولية رئيس المجلس. فعلى عبود أن يتعامل مع الأعضاء التسعة الآخرين في المجلس الذين لا يمكن تعيينهم في هذا المنصب من دون صلات سياسية. وعلى وجه الخصوص، فإن النائب العام التمييزي غسان عويدات، المقرب من رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، له اليد الطولى في التعيينات في المناصب الجنائية، وهو موضوع حساس، فاللبنانيون كانوا يطالبون بمحاسبة السياسيين أمام المحاكم. ووفق عدة مصادر متطابقة، كان تقسيم المهام داخل المجلس على النحو التالي: تولى عبود مسؤولية اقتراح التعيينات في المناصب المدنية وعويدات أسماء القضاة المرشحين للمناصب الجنائية. ويقول محام مطلع على المسألة إن "المشكلة التي نشأت لم تكن حول القضاة المدنيين الذين اختيروا استناداً إلى معايير محددة جيداً ووافقت عليها الوزيرة، بل حول القضاة الجنائيين الذين حُجِبت معايير اختيارهم". وقال مصدر آخر مقرب من المفاوضات إن "النائب العام ترك بصماته على هذه التعيينات إلى حد كبير". وعلى أي حال، يبدو أن التعيينات أرضت معظم الأحزاب السياسية الرئيسية، باستثناء العونيين. وقال صاغية: "يعلم الجميع أن غسان عويدات يمثل مصالح الطبقة السياسية". ويقول القاضي الذي بلغ منتصف مسيرته المهنية مازحاً: "عندما تكون كل الأحزاب السياسية تقريباً سعيدة في لبنان، ثمة خلل ما".

وتقليدياً، يكون تعيين القضاة في المناصب الجنائية من اختصاص النائب العام. لكن هل يمكن الدفاع عن هذا التقليد في سياق ثوري؟ قالت سلامة "إن جميع أعضاء مجلس القضاء الأعلى الـ10 هم الذين يجب أن يقرروا، بطريقة جماعية، كل المناقلات".

ومن دون توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى النائب العام، لم تتقاعس الوزيرة عن التعبير عن خيبة أملها إزاء "عدم وجود معايير صلبة للتعيينات الجنائية". وقالت نجم لـ"لوريان لوجور": "أعتقد بأنني على الموجة نفسها مع سهيل عبود على رغم أن نهجه أكثر تقليدية"، مشيرة إلى أن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى بعض الأعضاء الآخرين في هذه الهيئة. ولم يرغب النائب العام، الذي طُلبَ منه عدة مرات تقديم روايته، في الإجابة.

"أغرتني الاستقالة"

وعانت وزيرة العدل لأنها أعطت الانطباع بأنها تدافع عن مصالح التيار الوطني الحر. فعلى غرار الوزيرة، ينتقد حزب رئيس الجمهورية حزمة التعيينات، لكن ليس للأسباب نفسها. فهو كان مستبعداً من المساومات السياسية التي جرت داخل مجلس القضاء الأعلى من دون أن تُفهَم أسباب ذلك. والدليل على ذلك، على وجه الخصوص، رغبة مجلس القضاء الأعلى في تعيين النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، القريبة من التيار الوطني الحر، في منصب مستشارة في محكمة التمييز، وهو ما وصفته عون بأنه "قرار مسيس" ويمكن اعتباره في لبنان بمثابة تهميش.

وفي حين أن نجم تُربَط بالتيار الوطني الحر، وصفتها كل المصادر التي أُجرِيت معها مقابلات بأنها قريبة من المجتمع المدني. وأكد مصدر مقرب منها أنها "لم تكن تعرف جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر) حتى تعيينها".

وقالت الوزيرة إنها لم تتعرض "إل أي ضغوط سياسية". وأضافت: "لم يطلب مني أحد أي شيء". غير أن هذه الرواية لاقت اعتراضاً من مصدر مقرب منها أكدت أن الوزيرة "تعرضت إلى ضغوط من كل الأطراف، بما في ذلك من العونيين". وقالت نجم إن "المسألة جرت شخصنتها في وسائل الإعلام لدرجة نسيان الأهداف الحقيقية في هذه المعركة من أجل استقلال القضاء، أي تعيين قضاة كثر، مشهود لهم لكفاءتهم وقبل كل شيء لأخلاقهم وليس لولائهم الطائفي أو السياسي، في المناصب التي يستحقونها".

وخيبت هذه المناقلات آمال العديد من الإصلاحيين في القضاء. وقال أحد القضاة: "كنا نتوقع أكثر بكثير". فقد وقعت الجهات الفاعلة، على رغم نواياها الحسنة، في فخ منظومة راسخة إلى حد أن اقتلاعها قد يتطلب وقتاً طويلاً. وقال مصدر مقرب من المسألة إن "عبود يعتقد بأنه فعل ما في وسعه أن يفعله وأنه حصل على كل ما في وسعه أن يحصل عليه في هذه الظروف". وقالت سلامة إن "السؤال يتعلق بثمن هذا الإجماع في الممارسة العملية".

بيد أن العديد من التعيينات بدت أنها تسير في الاتجاه الصحيح. وتعتقد المصادر التي أُجريِت معها مقابلات بأن المناقلات المقترحة لا تزال أفضل بكثير من تلك التي سبقتها، والتي تُعتبَر "أسوأ ما عرفه لبنان على الإطلاق"، على حد تعبير أحد القضاة. لكن مصادر كثيرة عبرت عن أسفها لأن مجلس القضاء الأعلى أقرّ ممارسة بدأها وزير العدل السابق سليم جريصاتي المقرب من الرئيس، والتي تتمثل في الدفاع عن المحميات الطائفية عند كل المستويات. وقالت نجم: "في مرحلة ما، أغرتني الاستقالة لكي لا أضطر إلى التوقيع على مرسوم يحافظ على ممارسة إسناد المناصب القضائية في شكل منهجي استناداً إلى الطائفية".

"على القاضي أن يكون صامتاً دائماً"

تبدو التعيينات القضائية في نظرة إليها عن كثب، مسألة سياسية في بلد لا تنقصه المشاكل، ويعود السبب إلى أنها تتويج للتدخل السياسي في القضاء. فهي تمثل كل ما هو خاطئ في القضاء اللبناني والذي يجب على القضاة أن يتأقلموا معه، عن طيب خاطر أو رغماً عنهم، في حياتهم اليومية.

فالتدخل السياسي في الشؤون القضائية تقليد قديم في بلاد الأرز، توطد خلال الحرب الأهلية ثم خلال الاحتلال السوري. وقال صاغية إن "هيمنة السياسيين على القضاء انتشرت في العقود الأخيرة. فقبل عام 1975، كانت لدينا شهادات من قضاة أغلقوا الهاتف في وجه السياسيين". ولطالما كان للسياسيين رأي في التعيينات الجنائية. لكن في السنوات الأخيرة، اتسع نطاق التدخل ليشمل المناصب القضائية المدنية. وقال القاضي الذي بلغ منتصف مسيرته المهنية إن "السياسيين يريدون قضاة يخدمون السلطة. وفي التعيينات الأخيرة، وضع السياسيون في كل طائفة تصنيفات لمن هم الأكثر ولاء قبل ترقيتهم". والعلاقة عبارة عن طريق باتجاهين. فالسياسيون يمارسون ضغوطاً على القضاة، ولا يتردد بعض القضاة الطامحون في طرق أبواب السياسيين سعياً إلى ترقية.

----ويمكن أن تتنكر المهنة لممتهنها في لبنان. فمعايير التقدم ليست واضحة. والعقوبات نادرة جداً. ومن هنا يأتي الانطباع بأن مهنة القاضي يمكن أن تتطور ليس بفضل مهاراته بل بسبب شبكة صداقاته مع السياسيين ومع أولئك المعروفين باسم "القضاة الكبار" الذين يحافظ كل منهم على حاشيته.

ويقول أحد القضاة: "منذ عهدنا في مدرسة القضاء وطوال حياتنا المهنية، يقول رؤساؤنا لنا الشيء نفسه: على القاضي أن يكون صامتاً دائماً". ويُعَد إجراء مكالمات هاتفية للضغط، في شكل مباشر أو غير مباشر، في قضية معينة ممارسة شائعة. وقال صاغية إن "السياسيين يحددون القاضي المسؤول عن قضية ما، ويطلبون من شخص من الخلفية نفسها أو الطائفة نفسها التأثير فيه أو الاتصال به مباشرة. وفي كل مرة يواجه فيها شخص ما قضية، يتحرى السياسيون لمعرفة من يمتلك ’مفتاح القاضي‘". وتعتمد مهنة القاضي على علاقته مع رجال السلطة داخل طائفته، فأصحبت المحسوبية والطائفية وجهين لعملة واحدة. وقال أحد القضاة مازحاً: "لن يطلب أحد من البطريرك الماروني الاتصال بقاض شيعي". لكن القضاة لا ينحنون جميعاً أمام هذه اللعبة الخبيثة. وقالت سلامة: "يعرف الجميع القاضي الذي سيرد على اتصال هاتفي وذلك الذي لن يفعل". وقال الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى جان فهد المحسوب من ضمن الحرس القديم: "هل سبق لي أن تعرضت إلى ضغوط؟ سأكون كاذباً لو قلت لا. نحن لسنا في جمهورية أفلاطون".

"كانت الثورة قبل الثورة"

لا تُعرِّض مقاومة الضغط السياسي حياة القاضي إلى خطر. لكنها تمنعه من الوصول إلى أرقى المناصب والاستفادة من بعض المزايا المالية مقارنة ببقية زملائه. وقال صاغية: "تقوم أغلبية القضاة بما هو ضروري ليكونوا مقربين من السياسيين مع الحفاظ على أخلاقيات معينة. فالعلاقة بين الطرفين عبارة عن مساومة مستمرة". وإذا لم يمتثل القاضي للقاعدة، قد يُكلَّف بمنصب يُعتبَر بمثابة عقوبة. وقال القاضي الذي بلغ منتصف مسيرته المهنية: "في روما، لإقالة رئيس أساقفة، يُعيَّن كردينالاً. وفي لبنان، يُعيَّن القاضي مستشاراً لدى محكمة التمييز، وبالتالي يُستبعَد عن قوس العدالة".

ومن أجل الخروج من هذه المنظومة، بدأت حركة إصلاحية داخل المهنة في الظهور في عام 2017. وقالت سلامة: "كانت الثورة قبل الثورة". وبدأت الحركة الإصلاحية القضائية في مجموعة على تطبيق واتساب. فقد أراد القضاة أن يقفوا معاً ضد إصلاح سلسلة الرواتب. إلا أن جان فهد، رئيس مجلس القضاء الأعلى في ذلك الوقت، دعا الى إغلاق المجموعة ووجه رسالة الى جميع القضاة للانسحاب منها. وقال عضو في نادي القضاة طلب عدم الكشف عن هويته إن "الذين كانوا يدركون أنهم سيكونون في صلب الإصلاح". واستمر الخلاف بين القضاة الإصلاحيين الذين أرادوا إنشاء جمعية لحماية حقوقهم والرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى الذي اعتبر أن اللجان الاستشارية التي أنشأها كافية. وباتت سلطة مجلس القضاء الأعلى على القضاء بأكمله على المحك. وقال جان فهد لـ"لوريان لوجور" إن القضاة المعنيين "اعتبروا أنفسهم فوق مجلس القضاء الأعلى، وهذا أمر غير طبيعي".

وفي آذار 2018، قدم القضاة الإصلاحيون النظام الأساسي لنادي القضاة، الذي ينتسب إليه الآن 20% من القضاة (حوالي 100 قاض). وكان من المفترض أن يقدم لهم وزير الداخلية إشعاراً بالعلم والخبر لإضفاء الطابع الرسمي على إنشاء الجمعية. لكن المنظومة السياسية بأكملها وقفت ضد هذه المبادرة. ولم يقرر وزير الداخلية نهاد المشنوق منحهم الإشعار إلا في كانون الثاني 2019 وهو في مرحلة تصريف الأعمال. وقال عضو في نادي القضاة إن "جان فهد حاول بعد ذلك إقناع الوزيرة الجديد ريا الحسن بسحب الإشعار. لكنها رفضت لأن ذلك غير قانوني. وقالت وزيرة الداخلية لأعلى سلطة إدارية في القضاء: ’أنتم تطلبون مني أن أفعل شيئاً غير قانوني!‘".

ودفع فهد ثمناً باهظاً لهذه المعركة في القضاء. فقد أُطِيح به كرئيس لمجلس القضاء الأعلى في أيلول 2019، إذ تحدى الجيل الجديد من القضاة نهجه و"قربه من السلطة". ودافع القاضي السابق ذو الخلفية الأكاديمية المرموقة عن نفسه قائلاً: "أنا قريب من السياسيين وبعيد عنهم. أنا أعرف حدودي". وكان قربه من عون معروفاً جيداً. ومع ذلك، فإن الرئيس هو الذي سيفصله تحت ضغط ليس فقط من نادي القضاة، بل أيضاً من الاتحاد الأوروبي. وقال مصدر قريب من المسألة: "كان لبنان يسعى إلى الحصول على تمويل وأصرّت الدول المانحة على استقلال القضاء. وكان من الضروري القيام بمبادرة قوية لإقناعها". وهكذا ضحّت السلطة بجان فهد المذنب بالحفاظ على منظومة وضعها السياسيون لكنهم لا يرغبون في الاعتراف بوجودها. وعُيِّن بدلاً منه عبود، الذي يتمتع بسمعة أفضل بين القضاة الشباب. وقالت سلامة: "أرسل عبود تعميماً إلى جميع القضاة فور تعيينه. وكان التركيز على الاستقلال والشفافية والكفاءة". هل تريد السلطة بصدق تغيير المنظومة؟ تساءل صاغية: "هل عبود موجود لتعزيز الإصلاح أم كبديل للإصلاح؟".

ويتّفق جميع الذين يسعون إلى إجراء تغيير كبير على نقطة واحدة: الحاجة الملحة إلى إصدار قانون في شأن استقلال القضاء. ويشير أحد القضاة إلى أن "القانون لا يغيّر الناس، لكنه سيساعد الأضعف بيننا". ويقبع مشروع القانون في البرلمان منذ أكثر من سنة. وليس هناك ما يشير إلى أنه على وشك أن يُعتمَد. وقال بول مرقص، وهو محام وناشط: "لن يسمح السياسيون أبداً بصدور القانون".

وقالت سلامة: "من الضروري الإفراج عن قانون استقلال القضاء من دون أقل تأخير من أجل إثبات جدّية السياسيين الذين يستمرون في إطلاق الشعارات الشعبوية". وقال خلف إن القانون خطوة لا غنى عنها "من أجل القضاء المستقل الذي هو حجر الزاوية في نسف نظام الفساد". ويرى الإصلاحيون في الشارع أفضل حليف في كسر الأقفال الأخيرة. وقال صاغية: "في بداية الثورة، قال الناس إنهم يريدون الجيش في السلطة، والآن يقولون إنهم يريدون القضاة". لكن الإصلاح يجب أن يمر بتغيير في الرؤوس والقوانين والثقافة. وقال أحد القضاة: "لا يمكنكم أن تطلبوا من المدعي العام المالي الذي كان موجوداً تحت الاحتلال السوري أن يقود المعركة ضد الفساد".


هذا النص نشر في نسخته الأصلية باللغة الفرنسية في ١٢ حزيران ٢٠٢٠

كانت الفرصة سانحة في بداية عام 2020. فقد بدت الأطراف الفاعلة المعينة مثالية، والسياق مناسباً، والتفاؤل متوفراً. لقد أعطى القضاء اللبناني الانطباع بأنه أصبح مستعداً أخيراً للقيام بثورته التي يطالب بها بعض أركانه وكذلك...

commentaires (0)

Commentaires (0)

Retour en haut